شعار قسم مدونات

من مادورو إلى هنية.. قراءة إيرانية على نار هادئة

فنزويلا.. حشود في الشارع والخناق يضيق حول مادورو
خرج آلاف المحتجين إلى شوارع المدن في 29 يوليو/ تموز الماضي رفضًا لنتائج الانتخابات الرئاسية التي أعلنت فوز نيكولاس مادورو (الجزيرة)

يتخبّط الإعلام العالمي على وقع تطوّرَين أمنيين لا يقلان أهمية لا في المكانية ولا في الزمانية، لاسيما أنهما يرتبطان بمحور أخذ على عاتقه التموضع إلى جانب التصميم الروسي والصيني في إحداث التغيير في النظام العالمي القائم.

لا يتردد كل من الرئيس الصيني شي جين بينغ والروسي فلاديمير بوتين في الإعلان عن نيّتهما إزاحة الهيمنة الأميركية عن النظام الدولي، كلّما تسنى لهما ذلك. إذ يعتبران أن النظام الحالي المبني على أحادية غربية، آن الأوان لخربطته عبر تكريس حضورهما في عالم متعدد الأقطاب، تؤخذ فيه القرارات بالتفاهم وليس بسياسة "العصا والجزرة" التي فرضتها الولايات المتحدة منذ سقوط الاتحاد السوفياتي مطلع التسعينيات.

لطالما نطق إعلام محور المقاومة بأنّ أي خطأ إستراتيجي في الضربات الإسرائيلية قد يحول المنطقة إلى ساحة حرب، فهل فعلًا نحن على أعتاب حرب كبرى؟ أم أن إيران ستبقى ترقص على حافة الهاوية؟

أعلنت حركة حماس صباح الأربعاء 31 يوليو/ تموز الماضي عن اغتيال رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية في العاصمة الإيرانية طهران. وقالت حماس في بيان؛ إن رئيس الحركة "قضى إثر غارة صهيونية غادرة على مقر إقامته في طهران".

قد يتوقف المتابع عند الطريقة التي اغتيل بها هنية، لاسيما أنها تأتي ضمن العمليات المحبب تنفيذها لدى القادة في إسرائيل منذ حربها مع حركة فتح في سبعينيات القرن الماضي، إلى ما بعد اتفاق أوسلو، ولكن ما ليس متوقعًا أن يكون الاغتيال قد حصل في العاصمة الإيرانية طهران، لا سيما بعد الرسالة الصاروخية التي نقلتها إيران لتل أبيب بعد قصف إسرائيل سفارتها في سوريا، وأدَّت الغارة إلى مقتل مجموعة من كبار مسؤوليها.

ليس اغتيال هنية هو ما شكل الصدمة بالنسبة إلى فريق المحور بقيادة إيران، لكنّها الضربة التي نفذتها المسيرة الإسرائيلية في الضاحية الجنوبية لبيروت، ليل الثلاثاء 30 يوليو/تموز الماضي، والتي استهدفت فؤاد شُكر.

رغم تضارب التقارير حول مقتل شُكر فإنّ الضربة بذاتها شكلت تطورًا ميدانيًا كبيرًا قد يكون بداية لمرحلة جديدة من الحرب على الجبهة الجنوبية للبنان. لقد عرفت هذه الجبهة منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي حربًا على حافة الهاوية، إذ كان هناك قواعد اشتباك لا يسعى الطرفان إلى عدم تخطيها للانجرار لحرب قد تبدأ في لبنان ولا يُعرف أين ستنتهي.

يتوقّع كثيرون أن الردّ الإيراني وحزب الله وكافة القوة الداعمة لهما سيكون مزلزلًا على مستوى المنطقة، إذ لطالما نطق إعلامهم بأنّ أي خطأ إستراتيجي في الضربات الإسرائيلية قد يحول المنطقة إلى ساحة حرب، فهل فعلًا نحن على أعتاب حرب كبرى؟ أم أن إيران ستبقى ترقص على حافة الهاوية؟

تعتبر فنزويلا في صلب المحور الذي تتموضع فيه إيران، واهتزاز عرش مادورو يقلق القادة في طهران، خصوصًا أنّ مثل هذه المظاهرات لم تزل حاضرة في الذاكرة القريبة لطهران، بعد مقتل الطالبة مهسا أميني على يد شرطة الأخلاق

من يربط التهديدات العالية النبرة للمحور الممانع، والتصعيد الخطابي بإحداث دمار هائل في إسرائيل، بالحدثين المستجدين من الضاحية الجنوبية إلى طهران، سيتبين أن الحرب باتت أقرب من المتوقع.

ولكن من يتعمّق أكثر في سياسة إيران بعد ثورتها عام 1979، وسياسة الصبر الإستراتيجي مع تصدير ثورتها، يدرك أن الحرب لن تكون في المدى المنظور. فالجمهورية الإسلامية في إيران لا تعمل على قاعدة "الفعل وردة الفعل" بقدر ما تنظر إلى الأحداث من منظار أوسع، لا سيما أنها اليوم وضعت نفسها في تموضع دولي، حيث لا تستطيع أن تتصرف منفردة رغم أهمية الأحداث.

وسّعت القيادة في طهران من دائرة رؤيتها، وشاهدت من منظارها ما يحدث في أميركا الجنوبية، تحديدًا في كراكاس وفي معظم المدن في فنزويلا، حيث خرج آلاف المحتجين إلى شوارع المدن في 29 يوليو/ تموز الماضي؛ رفضًا لنتائج الانتخابات الرئاسية التي أعلنت فوز نيكولاس مادورو. حيث توجّه المتظاهرون في العاصمة كراكاس إلى قصر ميرافلوريس الرئاسي، مرددين هتافات مناهضة للحكومة، وقام البعض بتمزيق وحرق صور مادورو.

تعتبر فنزويلا في صلب المحور الذي تتموضع فيه إيران، واهتزاز عرش مادورو يقلق القادة في طهران، خصوصًا أنّ مثل هذه المظاهرات لم تزل حاضرة في الذاكرة القريبة لطهران، بعد مقتل الطالبة مهسا أميني على يد شرطة الأخلاق، الأمر الذي أدخل البلاد في فوضى عارمة لأشهر. تدرك طهران أن أي خلل أمني على مستوى حرب مع إسرائيل، قد يشجع على التحرك ضد النظام الحاكم.

لم تقرأ طهران أي رسالة جدية من قبل حليفتها بكين حول دعمها العسكري لما يحدث لها ولوكلائها في المنطقة من اعتداءات إسرائيلية متكررة دون أن تضع حدًّا لها

ليس هذا فحسب، بل إن التحرك العسكري الأميركي نحو المنطقة منذ بداية الحرب على قطاع غزة، ومع تزايد مستوى التهديد من قبل المحور المقاومة، دفع بوزير الدفاع الأميركي لويد أوستن ليعلن بوضوح أن الولايات المتحدة ستتدخل عسكريًا لحمايةً أمن إسرائيل. لا تستطيع طهران المرور بشكل عابر على التهديدات الأميركية، خصوصًا أن محورها اليوم لا يظهر تماسكًا على المستوى الدولي إلا في المواقف الكلامية.

لم يزل الروسي منهمكًا في أوكرانيا، حيث يضع كافة إمكاناته العسكرية لأجل تحقيق انتصار ميداني يستطيع من خلاله أخذ كييف إلى طاولة الاستسلام. كذلك الأمر فالروسي يتحضر بشكل واضح للاستعداد لحرب مباشرة مع حلف شمال الأطلسي (الناتو) الذي بدأ مرحلة سباق التسلح، وسمحت بعض دوله – منها ألمانيا – للجيش الأميركي بنشر صواريخ متوسطة المدى ذات قدرة على حمل رؤوس نووية تكتيكية، ما دفع ببوتين لتهديد برلين التي ردّ مستشارها بأن بلاده لا تخضع للتهديد الروسي.

كذلك الأمر لم تقرأ طهران أي رسالة جدية من قبل حليفتها بكين حول دعمها العسكري لما يحدث لها ولوكلائها في المنطقة من اعتداءات إسرائيلية متكررة دون أن تضع حدًّا لها. فالصين على العكس طالبت الحوثي في اليمن بوقف ضرباته في البحر الأحمر؛ لأنّ ذلك يؤثر على حركة سفنها التجارية، وهذا ما لن تقبل به بكين.

الحدثان الأمنيان خطيران؛ لأنهما طالا قلب معقل الحزب والحرس الثوري الإيراني، ولكن مشهدية مادورو وتردد الصين واستعراض القوة العسكرية الأميركية قد تدفع بالإيراني للتريث أكثر والاكتفاء بضربات؛ حفاظًا على ماء الوجه، وعدم توسيع دائرة الحرب.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان