القلق أو النفور من التيار الإسلامي، وحتى من أبسط المظاهر الدينية، مثل؛ الصلاة أو إعفاء اللحية، هو أمر غريب وغير مبرر. يبدو أن هذا الشعور نابع من تراكمات طويلة، خلفها الحكم القمعي الدكتاتوري الذي سيطر على سوريا لعقود.
الإسلام ليس مجرد مكوّن ديني، بل هو جزء جوهري من النسيج الثقافي والاجتماعي وحتى القانوني للمجتمع السوري؛ فهو حاضر في تفاصيل الحياة اليومية للسوريين، بغض النظر عن توجهاتهم الفكرية.
على سبيل المثال، لماذا تجد أن أول ما يقوم به الزائر إلى دمشق هو التوجه إلى الجامع الأموي لصلاة ركعتين تحيةً للمسجد؟ لماذا تستحضر ذكر الله في حركاتك اليومية؟ حتى أكثر الأشخاص ليبرالية، عند الحديث عن الزواج، يفضلون إتمامه عبر عقد شرعي، ويرفضون فكرة المساكنة.
الهوية السورية ليست دينية فقط؛ فهي مزيج من تاريخ طويل وثقافات متعددة. ومن هنا، يجب أن يكون الحل قائمًا على التوازن بين القيم الإسلامية التي تجمع الأغلبية، وبين احترام التنوع الثقافي والفكري الذي يميز سوريا
الإسلام كحاضن للقيم الاجتماعية
خلال حقبة النظام السابق، عانت سوريا من تراجع مفهوم الدولة الحديثة، وتحولت إلى شبه مزرعة تدار لمصالح محدودة. وفي ظل هذا الواقع، كانت الأعراف والعادات، المستمدة غالبًا من القيم الدينية، هي التي حفظت المجتمع السوري من الانهيار الكامل؛ فالدين لم يكن مجرد ممارسات شعائرية، بل كان مصدرًا للضبط الاجتماعي، ومنع الفوضى، وحماية الأفراد من السقوط في نزاعات تفترس فيها الفئات بعضها بعضًا.
الهوية السورية: أزمة وحلول
الإسلام ليس فقط جزءًا من الهوية السورية، بل يمكن أن يؤدي دورًا رئيسيًّا في حل أزمة الانتماء التي يعاني منها السوريون. ومعالجة أزمة الهوية السورية ضرورية؛ لأنها ستحدد شكل نظام الحكم القادم، وستعيد للمجتمع قيمًا ومبادئ كبرى فقدها على مدى عقود.
لكن الهوية السورية ليست دينية فقط؛ فهي مزيج من تاريخ طويل وثقافات متعددة. ومن هنا، يجب أن يكون الحل قائمًا على التوازن بين القيم الإسلامية التي تجمع الأغلبية، وبين احترام التنوع الثقافي والفكري الذي يميز سوريا.
سوريا اليوم بحاجة ماسة إلى قيم الإسلام الأخلاقية والاجتماعية، التي يمكن أن تُدمج في نظام مدني حديث، يحترم التعددية ويؤسس لحياة سياسية واقتصادية عادلة
الأخلاق في العمل: نموذج من الماضي
قبل سيطرة حزب البعث على الحكم بطرق غير شرعية، كان موظفو الدولة في سوريا يتميزون بأخلاقيات عمل رفيعة، خاصة المنتمين للتيار الإسلامي.
مثال بسيط يوضح ذلك: كان لدى هؤلاء الموظفين قلمان، أحدهما مخصص للعمل الرسمي، والآخر للاستخدام الشخصي، لأنهم كانوا يعتبرون استخدام موارد الدولة لأغراض شخصية أمرًا محرمًا أخلاقيًّا ودينيًّا.. هذا النموذج البسيط يعكس روح المسؤولية والالتزام، التي يمكن أن تسهم في بناء دولة حديثة وقوية إذا أُعيد إحياؤها.
الإسلام يمثل مكونًا أساسيًّا من الهوية السورية، لكنه ليس الحل الوحيد. التحدي الأكبر هو إيجاد صيغة تضمن التوازن بين القيم الإسلامية، ومبادئ الدولة المدنية التي تحترم الجميع
الإسلام ودوره في المستقبل
سوريا اليوم بحاجة ماسة إلى قيم الإسلام الأخلاقية والاجتماعية، التي يمكن أن تُدمج في نظام مدني حديث، يحترم التعددية ويؤسس لحياة سياسية واقتصادية عادلة.
الإسلام ليس بديلًا عن الدولة الحديثة، لكنه يمكن أن يكون أحد أعمدة البناء الذي يعيد للسوريين الثقة في مؤسساتهم، ويضمن العدالة الاجتماعية التي افتقدها المجتمع خلال العقود الماضية.
الإسلام يمثل مكونًا أساسيًّا من الهوية السورية، لكنه ليس الحل الوحيد. التحدي الأكبر هو إيجاد صيغة تضمن التوازن بين القيم الإسلامية، ومبادئ الدولة المدنية التي تحترم الجميع.
سوريا ليست بحاجة إلى استعادة الماضي كما هو، بل إلى بناء مستقبل مشترك يستفيد من القيم الدينية والتجارب الإنسانية في آن واحد.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.