شعار قسم مدونات

لبنان على أعتاب حقبة جديدة

نواف سلام رئيس الحكومة اللبنانية (الفرنسية)

يتّجه لبنان نحو مرحلة جديدة قد تُعتبر نقطة تحول تاريخية، بعد سنوات من الانهيار السياسي والاقتصادي.

مع انتخاب رئيس جمهوريّة يحظى بتأييد المجتمع الدولي، وتكليف القاضي نواف سلام، الرئيس السابق لمحكمة العدل الدولية، بتشكيل الحكومة، تُطرح آمال عريضة في إمكانية بدء عملية إصلاح اقتصادي وسياسي شاملة.

تأتي هذه التطورات في إطار دعم عربي ملحوظ، لا سيما من المملكة العربية السعودية، التي تُظهر اهتمامًا واضحًا بإعادة لبنان إلى محيطه العربي، وتعزيزه ضد النفوذ الإيراني المنحسر.

رغم التفاؤل المُدعم بخلفية سياسية جديدة، يبقى لبنان مُواجهًا لتحديات اقتصادية هائلة؛ فقد أظهرت المؤشرات الاقتصادية انهيار العملة المحلية، وارتفاع معدّلات الفقر، لكن الحكومة الجديدة قد تمتلك الفرصة لإطلاق خطة إنقاذ اقتصادي

يمثل الرئيس الجديد، الذي حظي بتأييد عريض من مختلف الفئات السياسية، رمزًا للتوافق الوطني، وتعزز علاقاته القوية مع الدول الكبرى من فرص لبنان في الحصول على المساعدات المالية والتقنية اللازمة لإنقاذ الاقتصاد المنهك.

كما أن تكليف القاضي نواف سلام بتشكيل الحكومة يُعزز من أفق تشكيل إدارة تكنوقراطية قادرة على مواجهة التحديات الاقتصادية، ويمتلك سلام سمعة طيبة على المستوى الدولي، وخبرة واسعة في إدارة القضايا المعقدة، ما يفتح آفاقًا جديدة لبناء الثقة مع المجتمع الدولي واستقطاب الدعم المالي الضروري.

في خطابه الأوَّل، دعا الرئيس إلى تنفيذ إصلاحات هيكلية جذرية، تركز على تحديث النظام المالي، وتعزيز الشفافية، ومكافحة الفساد، الأمر الذي يُعتبر شرطًا أساسيًا للحصول على الدعم الدولي من المؤسسات المالية.

إعلان

ورغم التفاؤل المُدعم بخلفية سياسية جديدة، يبقى لبنان مُواجهًا لتحديات اقتصادية هائلة؛ فقد أظهرت المؤشرات الاقتصادية انهيار العملة المحلية، وارتفاع معدّلات الفقر بشكل غير مسبوق، وتدهور النظام المصرفي.. لكن الحكومة الجديدة قد تمتلك الفرصة لإطلاق خطة إنقاذ اقتصادي، تتضمن محاور رئيسية:

  • إصلاح القطاع المالي: يتطلب إعادة هيكلة القطاع المصرفي، وتحسين إستراتيجيات إعادة رسملة المؤسسات المالية، وإصلاح نظام سعر الصرف لإعادة الثقة في النظام المالي.
  • مكافحة الفساد: تعزيز الشفافية ومحاسبة الفاسدين عنصر حيوي للحصول على دعم المجتمع الدولي؛ فبدون إصلاحات ملموسة، قد تغيب الثقة المطلوبة لتنفيذ أي تقدم اقتصادي.
  • إصلاح قطاع الطاقة: معالجة مشكلات قطاع الكهرباء، وجذب استثمارات لتوفير طاقة مستدامة، تمثل أولوية خاصة، لا سيما مع احتمالات استخراج الغاز الطبيعي من المياه الإقليمية اللبنانية.
  • جذب الاستثمارات الدولية: تعزيز الثقة في البيئة الاستثمارية يمكن أن يؤدي إلى استقطاب استثمارات أجنبية مباشرة، خصوصًا في القطاعات الحيوية، مثل السياحة والعقارات.
  • إعادة هيكلة الديون: يجب أن يتضمن ذلك التفاوض مع الدائنين الدوليين والمحليين، لتخفيف الاعتماد على الدين السيادي، وضمان استدامة المالية العامة، والبدء بجدولة ودائع المودعين في المصارف اللبنانية.

مع التزام الإرادة الوطنية، وتوفر الدعم الدولي والعربي، يمكن للبنان أن يعود إلى عصر الازدهار، شريطة أن تُظهر قواه السياسية جديتها في إحداث التغيير المطلوب

يشكل الدعم الدولي والعربي مكونًا أساسيًا لنجاح أي خطة إنقاذ اقتصادي؛ حيث أبدت الدول الكبرى، مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، استعدادها لدعم لبنان شرط تنفيذ إصلاحات جذرية.

هذا الدعم الدولي، ومعه الدعم العربي – خاصة من السعودية-، يحفزان القوى السياسية على الالتزام بالإصلاحات اللازمة، ويحميان لبنان من التأثيرات الخارجية. ومع ذلك، يواجه لبنان تحديًا جوهريًا، يتمثل في تضارب الإصلاحات مع المصالح السياسية للقوى التي استفادت تاريخيًّا من ضعف الدولة وفساد الإدارة العامة.

إعلان

هذه القوى، التي هيمنت على مراكز الحكم، قد تُعيق تنفيذ سياسات إصلاحية تضر بمصالحها.

وهنا يطرح السؤال الأهم: أتسعى الضغوط الدولية لإطلاق عجلة الإصلاح ضمن رؤية جديدة تحفظ للبنان مكانه في الشرق الأوسط الجديد، وترغم القوى السياسية اللبنانية على الرضوخ لمتطلبات المرحلة الجديدة، أم تتراجع الإرادة الدولية أمام ضغوط القوى المحلية، لا سيما بعد إنجاز الهدف الأهم بالنسبة للمجتمع الدولي، والمتمثل بالحد من النفوذ الإيراني في لبنان؟

في الخلاصة:

يقف لبنان اليوم على مفترق طرق حاسم.. انتخاب الرئيس الجديد، وتكليف نواف سلام بتشكيل الحكومة، يبعثان الأمل في إمكانية الخروج من الأزمة الحالية. لكن نجاح هذا الانتقال يعتمد على قدرة الطبقة السياسية على تجاوز الانقسامات، والتوجه نحو تحقيق المصلحة العامة.

إذا تمكن لبنان من تخطي هذه التحديات، فقد يشهد بداية فصل جديد من تاريخه، ما يعيد له مكانته كمركز اقتصادي وثقافي في المنطقة. وعلى الرغم من أن الطريق نحو الانتعاش يبدو عسيرًا، فإن البداية الجديدة تُظهر أن الأمل لا يزال قائمًا.

مع التزام الإرادة الوطنية، وتوفر الدعم الدولي والعربي، يمكن للبنان أن يعود إلى عصر الازدهار، شريطة أن تُظهر قواه السياسية جديتها في إحداث التغيير المطلوب.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان