الانتخابات الرئاسية في تونس.. أمل في التغيير وشكوك حول النزاهة
شهران وبضعة أيام، تفصل تونس عن الانتخابات الرئاسية المقررة يوم السادس من أكتوبر /تشرين الأول القادم، وسط نوايا ترشح، قد تتجاوز المائة شخص، تقدموا من كل حدب وصوب، لكي يتنافسوا على "كرسي قرطاج"، بخلفيات متباينة، وفي كثير من الأحيان، متناقضة.
وعلى الرغم من قصر المدّة المتبقية لموعد عملية الاقتراع، فإنّ المظاهر السياسية والاجتماعية، لبلد يستعدّ لاستحقاق انتخابي، تكاد تكون غائبة تمامًا، إذا استثنينا، فيديوهات بعض المترشحين المحتملين، وتعليقات و"تحليلات" بعض السياسيين والإعلاميين، على منصات التواصل الاجتماعي، وما تبقى من برامج سياسية في بعض الإذاعات الخاصة، التي انصرف جلّ مذيعيها وصحفييها، لقضاء العطلة الصيفية، وكأنّ البلاد غير مقدمة على انتخابات رئاسية، يعتبرها الجميع هنا، وهذه مفارقة، أنها شديدة الأهمية، وستحدد وجهة الأمور في تونس، ليس خلال العهدة الرئاسية المقبلة (2024 ــ 2029) فقط، إنما كذلك، على مستوى بوصلة المرحلة القادمة، واتجاهات الدولة، في العقدين المقبلين.
يتحدث خبراء السياسة، و"فقهاء" الاستحقاقات الانتخابية، وعدد معلوم من معارضي السلطة، عن المناخ الانتخابي، كشرط من شروط صدقية الانتخابات ونزاهتها، طبقًا لمقتضيات المعايير الدولية في الانتخابات.. ويجري الكلام هنا عن الحريات الإعلامية، وحرية التعبير السياسي والاجتماعي، وعدم التضييق على الأحزاب، وتوفر قانون انتخابي، يتيح قدرًا من التنافسِ الجدّي والشفاف، وقبل كلّ ذلك، توفر مشهد سياسي نشيط، تكون العملية الانتخابية، حصيلة لحراكه، وليس العكس، كما يروّج القريبون من السلطة.
ومن عجائب الوضع التونسي، وغرائبيته، أنّ المناخ الانتخابي، الذي يخضع لمعايير دولية واضحة، والذي يفترض ألا يكون حوله نقاش، بات محلّ جدل النخب والطبقة السياسية، وخاصة "معسكر الموالاة" لرئيس الجمهورية، أو ما يعرفون بـ"أنصار 25 يوليو/تموز"، وهو تاريخ "انقلاب" الرئيس قيس سعيّد، على منظومة العشرية السابقة، التي أعقبت ثورة يناير/كانون الأول 2011، و"معسكر المعارضة"، التي تتصدرها، "جبهة الخلاص الوطني" بقيادة "حركة النهضة"، و"الجبهة الديمقراطية"، ممثلة في عدّة أحزاب يسارية وعلمانية وليبرالية، بالإضافة إلى عدد من الشخصيات السياسية الاعتبارية، التي تقف في منطقة وسطى بين المعسكرين، مع تماهٍ واضح مع بعض الأفكار الناقدة للسلطة، ولخيارات ما بعد 25 يوليو/تموز.
جدل المناخ الانتخابي
أنصار الرئيس قيس سعيّد، وأحزاب الموالاة له، والشخصيات التي تزعم قربًا منه، أو نطقًا باسم مشروعه، الذي دشنه يوم أغلق البرلمان وتم تعطيل دستور 2014، يتحدثون بقوة عن المناخ السليم، الذي تدور فيه الانتخابات، خصوصًا بعد أن وقع إنهاء الإسلام السياسي (في إشارة إلى حركة النهضة)، والزجّ بــ "الخونة"، و"المتآمرين" ضدّ الدولة التونسية، (في غمز للشخصيات العلمانية الموقوفة على ذمة ما يعرف بقضية "التآمر على أمن الدولة)، منذ أكثر من 14 شهرًا، بالإضافة إلى تنقية مناخ ما يصفونه بــ "العشرية السوداء" (2011 ــ 2021)، بمنظومة أحزابها وقوانينها وشخوصها وإعلامييها والمنظمات التي نشطت في تلك الفترة.
يؤكد هؤلاء، بلهجة متعالية، أنّ تونس تمت استعادتها بعد أن كانت مختطفة من قبل منظومة ما بعد الثورة، وأنّها تدار اليوم من قبل "رجال وطنيين"، فيما تم استئناف السيادة الوطنية للبلاد، التي ارتهنت للخارج، بحيث باتت تونس، مرتعًا للأجندات الإقليمية والدولية، كما يقولون، فضلًا عن إيقاف نزيف تفتيت الدولة، بفعل النظام البرلماني، الذي تم الاختيار عليه بعد الثورة، وفق ما يؤكدون، إلى جانب "تطهير" الإعلام من المرتزقة، والمرتبطين بخدمة أجندات ومصالح خارجية معادية للبلاد وللسلطة القائمة، حسب توصيفهم.
ومن ثمّ فلا حاجة لتلك المعايير الدولية، التي يعتقدون، أنها جزء من إملاءات الخارج، وشروطه لإجراء انتخابات على مقاسه، وبالمخرجات التي يراها ويضبطها، ويتحكم فيها في المحصّلة النهائية، كما يروّجون بأشكال مختلفة.
يجد هذا الخطاب، الصادر في بيانات حزبية، وتصريحات إعلامية، وتعليقات فيسبوكية مكثفة، من يدعمه من بعض نواب البرلمان التونسي، الذين أفصح أحدهم (النائب أحمد السعيداني) مؤخرًا، عن خطاب وصف بــ "الفاشي" و"الإرهابي"، وفي أدنى التقديرات، بـ "الاحترابي"، عندما دعا في جلسة عامة برلمانية، منقولة على المباشر على القناة العمومية الثانية، بوضوح، إلى قتل رموز فصيل سياسي (حركة النهضة)، معتبرًا أنّ ذلك، كان يفترض أن يحصل منذ العام 1987، تاريخ انقلاب الرئيس الراحل، زين العابدين بن علي، على صنوه، الحبيب بورقيبة، فيما عرف لاحقًا، بــ "تحول السابع من نوفمبر /تشرين الثاني".
المعارضة: انتقادات واسعة
في مقابل هذه السردية النشيطة على فيسبوك، وبعض المواقع الإلكترونية العربية، المتبنّية لها، والتي تديرها ماكينة شبكية واسعة، تظهر آثارها، ولا تعرف شخوصها بوضوح، تطلّ المكونات والشخصيات السياسية المعارضة للرئيس قيس سعيّد و"نهجه" في الحكم، الذي تصفه بــ "الانقلاب"، وتتحرك ــ وإن باحتشام ملحوظ ــ لإنهائه، تطلّ، بسرديّة مضادّة، تطعن في المناخ الانتخابي، وتعتبره، لا يتوفر على المقومات والشروط الدنيا، لتنظيم انتخابات نزيهة، يكون فيها صندوق الاقتراع، هو الفيصل الحقيقي بين المترشحين.
وتختزل المعارضة التونسية، بمختلف أطيافها، نقدها وتحفظاتها على المناخ الانتخابي الراهن، في النقاط التالية:
مرشحون مع تأجيل التنفيذ
إنّ المناخ السياسي العام، مشوب بغياب الحريات الإعلامية والتضييق على المعارضين، وغلق مقرات حزبية بارزة، في ظل أجواء من الإيقافات والاعتقالات، التي طالت رموز المشهد السياسي منذ أكثر من عام، بينهم شخصيات إسلامية وعلمانية وليبرالية، وإعلاميون ومدونون وغيرهم.
اعتقالات وإيقافات، شملت مؤخرًا، رئيس حزب الشعب الجمهوري، الطبيب، لطفي المرايحي، الذي أعلن ترشحه لـ "الرئاسية"، فوجد نفسه موقوفًا بتهمة "تبييض أموال، وتلقي دعم مالي من الخارج بطرق غير مشروعة".
كما شملت الدكتور، عبد اللطيف المكي، رئيس حزب "عمل وإنجاز"، الذي أعلن ترشحه للانتخابات، فأحيل على القضاء بتهمة التورط في موت السياسي السابق، الجيلاني الدبوسي في السجن، عندما كان المكي، وزيرًا للصحة، ليتخذ القضاء قرارًا في شأنه، بالمنع من الظهور الإعلامي، وعدم التنقل خارج إطار الحي السكني الذي يقطن فيه.
كان الوزير السابق، المنذر الزنايدي، قد اتهم بدوره بالفساد، عندما كان وزيرًا للنقل، خلال فترة حكم الرئيس بن علي، منذ اللحظات الأولى لخروجه الإعلامي عبر فيسبوك، لنقد السلطة القائمة حاليًا، والتعبير عن نواياه في الترشح، وتم تداول وثائق للتأكيد على أنّ هذه الاتهامات، لا لبس فيها، دون أن تودع بشأنه دعوى قضائية حتى الآن.
ورغم أنّ الرجل خرج، عبر فيديوهات على فيسبوك، ليفنّد الاتهامات، واصفًا إياها من موطن إقامته الراهن، في باريس، بالشائعات المضحكة، فإنّ أوساطًا قانونية وسياسية وحقوقية، لا تستبعد اعتقاله عند دخوله تونس، لخوض حملته الانتخابية، انطلاقًا من شهر أغسطس /آب الجاري.
بالموازاة مع ذلك، رفضت هيئة الانتخابات، تمكين المرشح المحتمل، غازي الشواشي، الوزير السابق، والقيادي المستقيل من حزب التيار الديمقراطي، والمعتقل حاليًا ضمن ما بات يعرف بقضية التآمر على أمن الدولة، من استمارة التزكيات الشعبية، لاعتبارات تصفها الهيئة بالقانونية، ويعتبرها نجله، ذريعة لمنعه من الترشح من سجنه بالمرناقية (10 كلم عن العاصمة).
وتراجع في الآونة الأخيرة، حضور الإعلامي والناشط السياسي، الصافي سعيد، الذي أعلن ترشحه منذ فترة للانتخابات الرئاسية، بعد أن أفاق ذات يوم، ليجد نفسه محكومًا غيابيًا بثمانية أشهرٍ سجنًا، بتهمة الحصول على تزكيات مشبوهة في انتخابات 2019، عندما ترشح إليها، مدفوعًا من التيار القومي (حركة الشعب)، ليدخل الرجل متاهة المحاكم والقضاء، وينزوي بعيدًا عن الأضواء، دون الإعلان عن أي قرار، بالاستمرار أو الانسحاب.
احتلّ الصافي سعيد، إحدى المراتب الأربع الأولى لنوايا التصويت في الانتخابات الرئاسية على امتداد السنتين الماضيتين، على الأقلّ.
بالطبع، تنفي السلطة، الصبغة السياسية لهذه القضايا، وتقول إنها ملفات ومسار قضائي، في إطار حملة مكافحة الفساد، التي أتت على الأخضر واليابس، منذ الشروع فيها قبل عام ونيّف على الأقلّ.
واعتقل الأمين العام لحركة النهضة، العجمي الوريمي في الآونة الأخيرة، على خلفية مرافقته لقيادي بالحزب، اتضح أنّه متابع أمنيًا وقضائيًا بشبهة الإرهاب، واتهم الوريمي، بالتستر على مشتبه فيه بالإرهاب، وسط انتقادات من المعارضة، وحتى من الخصوم السياسيين للنهضة، الذين اعتبروا إيقافه، جزءًا من الترتيبات الرامية إلى توظيف "الخزان الانتخابي" لحركة النهضة، لصالح مرشح السلطة، وفق بعض التأويلات.
عوائق وتضييقات
التضييق على بعض المرشحين، بواسطة "سيف" بطاقة السجل العدلي، (ما يعرف في تونس بالبطاقة عدد 3)، المسلط على رقاب الراغبين في الترشح للاستحقاق الرئاسي.
وكان المرشح المحتمل، العميد السابق بالجيش التونسي، والمسؤول الأمني السابق بوزارة الداخلية، هشام المؤدب أعلن في هذا السياق قبل يومين، عن تعرض أنصاره، لتضييقات، عند جمع التزكيات الشعبية، واصفًا ذلك باللامعقول، وداعيًا إلى إيقاف هذه الممارسات.
يرى مراقبون، على خلفية هذه الأحداث، أنّ صدور القائمة النهائية للمرشحين للاستحقاق الانتخابي الرئاسي، من قبل هيئة الانتخابات، نهاية شهر أغسطس/ آب الجاري، ستوضح نوايا السلطة وبوصلتها بشأن الانتخابات: فإمّا التأكيد على تعزيز التنافسية الحقيقية بين المترشحين، وفتح المجال لمن يسمونهم بالمرشحين الجدّيين، وفق تقدير البعض، أو تقديم مؤشر على عدم نزاهتها، من خلال اختيار مرشحين على مقاس السلطة، لإجراء انتخابات، بأشباه منافسين، على حدّ وصفهم، من شأنها ضمان عهدة رئاسية جديدة للرئيس الحالي، أستاذ القانون الدستوري، قيس سعيد.
وبالطبع، يرفض أنصار الرئيس قيس سعيّد، هذا التأويل"، ويلوّحون بنصر ساحق لصاحب مقولة "العلو الشاهق"، ستكون العهدة الرئاسية المقبلة، تفويضًا شعبيًا واسعًا، تنتقل البلاد بموجبه، من "الظاهر"، إلى "الباطن"، وفق تعبير، أحمد شفطر، أحد الذين يوصفون بمفسري خطاب الرئيس قيس سعيّد، في إشارة إلى الانتقال من الخطاب السياسي العام، إلى البرامج والتنفيذ العملي لمشروع "25 يوليو/تموز" الرئاسي.
حتى اللغة التي يستعملها أنصار الرئيس، تبدو غريبة عن الحقل الدلالي السياسي المستخدم في تونس منذ عقود، والمتعارف عليه بين الفاعلين السياسيين، وفق ما يذهب إلى ذلك، كثير من المعلقين السياسيين، والمتابعين للمشهد التونسي.
الترشحات الفلكلورية
ينتقد المعارضون من جهة أخرى، سماح السلطة، بترشحات فلكلورية، كما يصفها البعض، لا يمتّ أصحابها بأي صلة إلى العمل السياسي أو الشأن العام، ولا لأيّ علاقة بالدولة ومؤسساتها، وكيفية إدارتها، ويتهمون السلطة، بإغراق المشهد الانتخابي، بــ "نكرات"، من أجل تشتيت أصوات الناخبين، وتمكين الرئيس سعيّد، من الفوز بشكل مريح، بالاستحقاق الرئاسي، حتى وإن اكتفى بنسبة التصويت، التي حصل عليها الاستفتاء على الدستور الذي وضعه بنفسه (8 بالمائة من حجم الناخبين المسجّلين لدى هيئة الانتخابات).
وزادت هذه القناعة رسوخًا، عندما أفاق المعارضون على أول مترشح للرئاسية يحصل على وصل قبول ملف ترشحه، ليتبيّن أن الرجل (فتحي بن خميّس الكريمي)، عامل يومي، وكان من قبل، عونًا بوزارة الداخلية، فضلًا عن تصريحه في مناسبات سابقة، بأنّ أحد أهم عناصر برنامجه الانتخابي، هو "القضاء على الأحزاب السياسية، وإنهائها من الوجود".
وتشكّل الهيئة العليا للانتخابات، محور النقاش الدائر في تونس بشأن النزاهة المحتملة "للاستحقاق الرئاسي"، نظرًا لفقدانها الاستقلالية في قراراتها وإجراءاتها.. إذ يتهمها المعارضون للسلطة، بكونها تستبطن مقولات الرئيس سعيّد وتوجهاته وخياراته، مستبعدين أن تكون عاملًا أساسيًا في ضمان نزاهة الانتخابات، كما كانت تفعل خلال المواعيد الانتخابية السابقة، طيلة العشرية الماضية.
لا سيما أنّ الحزام الانتخابي المراقب للعملية الانتخابية: (إعلام ومنظمات مختصة في الشأن الانتخابي)، قد وقع "قصّ أجنحته"، عبر قرارات وإجراءات، كان آخرها، إعلان الهيئة أنها تتمتع بالولاية العامة قانونيًا، على تفاصيل وحيثيات العملية الانتخابية، وعملية إدارتها إعلاميًا، ومراقبتها من قبل المنظمات المعنية في الداخل والخارج.
الأمر الذي دفع منظمة "أنا يقظ"، إلى الطعن في استقلالية الهيئة، وشرعيتها في الإشراف على إدارة العملية الانتخابية، فيما أعلنت نقابة الصحفيين، على لسان رئيسها، زياد الدبار، أنّ هيئة الانتخابات، "لا يحقّ لها الولاية الإعلامية في هذا الاستحقاق الانتخابي"، محذّرًا من قيام الهيئة بدور النقابة والمنظمات المعنية بالإعلام، المرافقة – عادة – لسير العملية الانتخابية.
وتُبدي الأطراف المعارضة لخطّ الرئيس قيس سعيّد، تحفظاتها، كذلك، على مضيّ رئيس الجمهورية، في ذات الخطاب السياسي وعناوينه المعروفة، على غرار "اللصوص والمتآمرين والخونة، واللوبيات الفاسدة، والغرف المظلمة، والبائعين ذممهم للخارج، والراغبين في تفتيت الدولة"… إلخ، وهي العبارات التي يرون أنها تساهم في شحن المشهد الانتخابي بكمية من التشنّج والتوتر والعنف اللفظي، الذي يرفع من درجة الاحتقان السياسي، في وقت يفترض أن يحتكم الجميع، للعقلانية والرصانة والهدوء، لإدارة صراع البرامج، الذي تفرضه العملية الانتخابية.
اللافت، حقيقة، أنّ هذا الخطاب الرئاسي، ما يزال يجد له صدى في بعض الأوساط الشعبية والسياسية، خصوصًا الأحزاب التي كانت على هامش العملية السياسية والحكم، خلال العشرية الماضية، بحكم ضعفها وقلة حيلتها، ما جعلها تنعت بـ "أحزاب الصفر فاصل"، وهي نتيجتها المعبرة عنها شعبيًا، عبر صناديق الاقتراع.
المفارقة هنا، أنّ هؤلاء، هم اليوم، الفاعلون الأساسيون في المشهد، وبعضهم من صناع القرار السياسي للبلاد.
ضمن هذا المناخ العام، الذي يسبق الانتخابات الرئاسية، ومع بداية تسليم هيئة الانتخابات وثائق اعتماد المرشحين وفقًا لمقتضيات القانون وحسابات الهيئة، تجري هذه الانتخابات في أجواء إعلامية، أقل ما يقال عنها أنها باردة، يسودها الخوف المهيمن على الأوساط الصحفية، من إمكانية أن تتم ملاحقتهم قضائيًا، مثلما جرى لزملائهم الذين يقبعون حاليًا في السجون، بسبب نقدهم للسلطة، التي تتحدث ــ خلاف ذلك ــ عن ملفات فساد مالي وسياسي، جرّت هؤلاء الصحفيين إلى السجون، وليس على خلفية حرية التعبير والنقد للنظام.
الانتخابات التونسية.. والخارج
ومع أنّ الانتخابات، شأن داخلي صرف – عادة ـ إلا أنّ بعض الملاحظين، يرقبون بشغف كبير، مواقف وتحركات الدول التي يعنيها الشأن التونسي، لارتباطه إقليميًا بالمغرب العربي، ووجود تونس على خط جيوسياسي، بين أفريقيا من جهة الجنوب، وأوروبا والمتوسط من الجهة الشمالية، وهو ما يفسّر، تداول أوساط سياسية عديدة، تصريحات السفير الأميركي السابق في تونس، جوردن غراي، الذي بدا متشائما من العملية الانتخابية في تونس، بعد أن أعلن أن "الانتخابات لن تكون نزيهة"، وأنّ تونس ستشهد لاحقًا، تآكلًا غير مسبوق في الحقوق المدنية والسياسية، وفق تعبيره قبل نحو أسبوعين.
مما زاد من توجس المنخرطين والمعنيين بالعملية الانتخابية في تونس، تقديم إحدى الإذاعات الجزائرية مؤخرًا، سيناريو لحصيلة الانتخابات الرئاسية، حيث اعتبر أحد محلليها، أنّ هناك صراعًا شديدًا بين المنظومة السابقة (ما قبل الثورة)، ومنظومة ما بعد الثورة، وأنصار الرئيس قيس سعيّد ومعسكر الموالاة له.
قبل أن تقدّم الإذاعة الجزائرية الرسمية، تقديرها السياسي، بالقول: "إنّ الرئيس قيس سعيّد، ينطلق بحظوظ وافرة للفوز بالانتخابات"، وهو ما اعتبرته أوساط سياسية وإعلامية تونسية، تقديرًا جزائريًا نابعًا من ترتيبات إقليمية، قد تكون الجزائر تدفع باتجاهه، أمام الرغبة الفرنسية، في إجراء تغيير، ربما كان منذر الزنايدي، الوزير السابق، عنوانه البارز، وفق بعض التحليلات التي لا تخلو من وجاهة.
لا يمكن للمرء أن يفصل الانتخابات التونسية، عن مجريات وترتيبات الإقليم بأي صورة من الصور.. فمن الناحية الجيوبوليتيكية، تبدو تونس، العصب الحيّ لمنطقة شمال أفريقيا، وارتباطها الاقتصادي بأوروبا، يجعل مكانتها أكثر تعقيدًا، ومع دخول المهاجرين الأفارقة جنوب الصحراء، "على الخطّ"، من خلال هجرتهم المكثفة إلى تونس، يضع ذلك السلطات التونسية في قلب "المعادلة الأفريقية"، إلى جانب الرغبة الأميركية، في استبعاد تونس من الدائرة الصينية – الروسية – الإيرانية.
كل ذلك، يدفع "اللاعبين الدوليين"، إلى الحرص على الحفاظ على حدّ أدنى من حالة الاستقرار في تونس، الجارة المهمة لليبيا المرتبكة، والجزائر المتحوّلة.
هل كان تصريح السفير الأميركي السابق في تونس، مجرّد معلومة حول ما سوف يحصل في الانتخابات التونسية، وهو العارف بتفاصيل المشهد في الشأن التونسي، أم كان يحذّر من سيناريو ما، أم هو يحضّر النخب التونسية في الحكم خاصة، إلى ضرورة الانتباه، إلى أن الحالة التونسية، لا ينبغي أن تقفز بشكل بهلواني، ولكنها يجب ألا تنتكس كذلك إلى دون ما تحقق في السنوات الإحدى عشرة الماضية، رغم كل ما يقال عن هذه العشرية؟
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.