من الاستيطان إلى "خطة الحسم" هكذا فرغت إسرائيل "أوسلو" من مضمونها

شق طرقات وإقامة مشاريع بنى تحتية للاستيطان فوق الأراضي الفلسطينية.
لم تتوقف جهود توسيع الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية منذ توقيع اتفاق أوسلو (الجزيرة)

القدس المحتلة – وظفت حكومات إسرائيل المتعاقبة اتفاقية أوسلو من أجل توسيع المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وفرض وقائع على الأرض تحول دون تطبيق حل الدولتين عبر الوصول إلى خطة الحسم، بفرض سيادة الاحتلال على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 وضمها لنفوذ إسرائيل.

وأجمعت قراءات بعض المحللين على أن إجراءات وسياسات الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تناغمت فيما بينها في كل ما يتعلق بالتحلل التدريجي من اتفاقية أوسلو وتفريغها من مضمونها، وعدم الالتزام بملاحقها إلا بما يتناسب مع المصالح الإستراتيجية الإسرائيلية.

وهناك من المحللين من يعتقد أن اتفاقية الخليل المعقدة والشائكة كانت بمثابة المسمار الأخير من وجهة نظر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ومعسكر اليمين في اتفاقية أوسلو، التي يعتبرها الجمهور الإسرائيلي كارثية.

ووفقا لقراءات المحللين وتقديرات مراكز الأبحاث في تل أبيب، فإن حكومات إسرائيل أبقت على اتفاقية أوسلو عالقة منذ اندلاع الانتفاضة الثانية عام 2000، وبالمقابل اعتمدت إجراءات مختلفة وفرضت وقائع على الأرض تحول دون إقامة دولة فلسطينية بالضفة الغربية ضمن حدود الرابع من يوينو/حزيران 1967.

توسيع المشروع الاستيطاني في الضفة والقدس تحت مظلة اتفاقية أوسلو
واصلت إسرائيل منذ توقيع اتفاقية أوسلو توسيع المستوطنات بالضفة الغربية (الجزيرة)

شيطنة أوسلو

رافق هذه الإجراءات من قبل مختلف الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، وفق المحلل السياسي عكيفا إلدار، "حملة منظمة لشيطنة اتفاقية أوسلو بأوساط المجتمع الإسرائيلي، الذي تعززت لديه القناعة بأن هذه الاتفاقيات كارثية وأسوأ ما جلبه اليسار الصهيوني على اليهود، وهو ما بات خطابا رائجا لمعسكر اليمين الذي ما زال يروج أن اتفاقية أوسلو بديل أثبت فشله".

ويضيف إلدار للجزيرة نت أن "حكومات إسرائيل المتعاقبة منذ أيام حكومة نتنياهو الأولى حتى حكومته الحالية منعت أي إجراءات وتعمدت عرقلة وإحباط أي خطوات من شأنها المضي قدما نحو تطبيق اتفاقية أوسلو بحذافيرها، ونتنياهو الذي وقع على اتفاقية الخليل مع الراحل ياسر عرفات، اختار نسف الاتفاقية وترحيل الصراع".

وإزاء هذه الإجراءات والوقائع الميدانية، يعتقد إلدار أن اتفاقية أوسلو باتت كالمنجل عالقة في حنجرة إسرائيل، إذ إن السياسات الإسرائيلية أفضت إلى إضعاف السلطة الفلسطينية وأوصلتها إلى شفا الانهيار.

خطة الحسم

وأمام حالة الضعف التي تعيشها السلطة الفلسطينية بسبب سياسات حكومات إسرائيل والتصعيد، يقول المحلل السياسي ذاته، تحولت خطة الحسم التي وضعها رئيس "الصهيونية الدينية" بتسلئيل سموتريتش في عام 2017 إلى برنامج عمل لحكومة نتنياهو في 2023، وذلك من خلال الحرب على غزة واعتداءات المستوطنين بالضفة والتي ترافق العلميات العسكرية للجيش.

وأوضح المحلل السياسي أن خطة الحسم التي تأتي تتويجا لتوسيع المشروع الاستيطاني بالضفة، تعدّ القول الفصل في كل ما يتعلق باتفاقية أوسلو، التي باتت في عداد الماضي من وجهة نظر معسكر اليمين والنخب السياسية الإسرائيلية والأحزاب اليهودية من مختلف التيارات والمعسكرات التي يغيب عن برامجها الانتخابية حلّ الدولتين.

ولفت إلدار إلى أنه عند التوقيع على اتفاقية أوسلو في سبتمبر/أيلول 1993، كان تعداد المستوطنين بالضفة 150 ألفا، واليوم بعد 31 عاما على توقيع الاتفاق الذي كان من المفروض أن ينهي الصراع ويؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية، يقترب تعدادهم من المليون، وهذا الواقع يحول دون تطبيق الاتفاقيات أو إقامة أي كيان مدني للفلسطينيين.

مستوطنة أريئيل، كبر المستوطنات في وسط الضفة، حيث تعتبر حلقة وصل وتربط مستوطنات جنوب الضفة بشمالها.
مستوطنة أريئيل كبرى المستوطنات وسط الضفة الغربية، تربط مستوطنات جنوب الضفة بشمالها (الجزيرة)

المشروع الاستيطاني

ويتفق المتحدث باسم كتلة "السلام الآن" آدم كلير مع طرح المحلل السياسي إلدار، ويؤكد أن المشروع الاستيطاني وتوسعه المتدرج كان سببا أساسيا في نسف اتفاقية أوسلو من قبل حكومات إسرائيل، والتي فرضت وقائع على الأرض بالضفة والقدس الشرقية.

وأشار آدم كلير إلى أن الوقائع والإجراءات تلخصت في توسيع المشروع الاستيطاني، الذي يضم بعد 31 عاما على توقيع اتفاقية أوسلو 146 مستوطنة و155 بؤرة استيطانية و60 مزرعة استيطانية في الضفة والقدس الشرقية.

كان من المفترض أن تنتهي اتفاقية أوسلو، كما يقول كلير للجزيرة نت، "في عام 1999 باتفاقية سلام بين إسرائيل ودولة فلسطينية ذات سيادة. إذ نصت الاتفاقية على أن القضايا الأساسية المتعلقة بالمستوطنات والقدس والحدود سيتم تحديدها في المفاوضات، لكنها منعت إنشاء مستوطنات جديدة أو تغيير الواقع على الأرض".

وفي الممارسة العملية، ورغم المحظورات، يضيف كلير "ازدهر المشروع الاستيطاني، ويعود الفضل بشكل رئيسي إلى 5 عوامل مختلفة: توسيع المستوطنات القائمة، وإنشاء مئات البؤر الاستيطانية، ومزارع الراعي، وبناء آلاف الكيلومترات من الطرق الالتفافية، وجذب اليهود الحريديم إلى المستوطنات، وإنشاء المستوطنات داخل الأحياء الفلسطينية في القدس الشرقية".

المصالح الإستراتيجية

في قراءة للسياسات التي اعتمدتها حكومات إسرائيل لتفريغ اتفاقية أوسلو من مضمونها، قال الصحفي الإسرائيلي المختص في الشؤون العربية والفلسطينية يوآف شطيرن إن تل أبيب اعتمدت نهج الازدواجية في المعايير في كل ما يتعلق بتطبيق الاتفاقيات أو التحلل من بنودها وملاحقها بما يتلاءم ومصالحها الإستراتيجية.

وأشار شطيرن، في حديثه للجزيرة نت، إلى أن ما مكّن حكومات إسرائيل من المضي قدما في تفريغ اتفاقية أوسلو من مضمونها هو انعدام وجود البدائل، إذ لم يطرح أي تيار سياسي إسرائيلي أي بديل عملي قابل للتطبيق على أرض الواقع من أجل إنهاء وتسوية الصراع مع الفلسطينيين.

وأوضح أن جوهر اتفاقية أوسلو ارتكز على مبدأ التعاون والتنسيق والثقة المتبادلة بين الجانبين، وهو المبدأ الذي بقي رائجا لسنوات طويلة، الأمر الذي عكس ازدواجية المعايير من الجانب الإسرائيلي الذي تمسك بالتفاهمات الأولية التي تنص على التعاون والتنسيق وتحلل من كافة المراحل والإجراءات والخطوات لتطبيق الاتفاق، مما ساهم في تراجع الرؤية المتعلقة بالثقة المتبادلة.

شبكة طرقا ومواصلات عامة لربط المشروع الاستيطاني بالمدن الإسرائيلية.
شبكة طرق ومواصلات عامة لربط المشروع الاستيطاني بالمدن الإسرائيلية (الجزيرة)

احتدام الصراع

واستعرض شطيرن الإجراءات التي اعتمدتها الحكومات الإسرائيلية من أجل إضعاف السلطة الفلسطينية مع الإبقاء عليها في سياق التنسيق الأمني، مقابل توسيع المشروع الاستيطاني وتأسيس دولة المستوطنين في الضفة على حساب الفلسطينيين.

ولفت الكاتب الإسرائيلي إلى أنه حتى الإجراءات التي قامت بها حكومة إسرائيل والمشتقة من جوهر اتفاقية أوسلو، مثل إعادة الانسحاب من قطاع غزة أو إخلاء المستوطنات من شمالي الضفة، هي إجراءات أحادية الجانب ولم تنسق مع السلطة الفلسطينية ونفذت في حينه لمصالح إسرائيلية.

وذكر شطيرن أن سياسات حكومات إسرائيل وتعمدها تفريغ اتفاقية أوسلو من مضمونها أفضت إلى حالة عدم الاستقرار واحتدام الصراع.

وتوقع الكاتب الإسرائيلي أن تكون المرحلة المقبلة دموية أكثر، قائلا "لم نصل إلى القاع بكل ما يتعلق بانعدام الاستقرار، وسنشهد المزيد من سفك الدماء، خصوصا وأن إسرائيل ليس لديها بدائل للتسوية وستواصل تنفيذ السياسات ذاتها ما لم تُفرض عليها الحلول من جهات إقليمية ودولية".

المصدر : الجزيرة

إعلان